قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ) (وتجبُ الزكاةُ في الإِبلِ والبقرِ والغنمِ والتمرِ والزبيبِ والزروعِ المقتاتةِ حالة الاختيارِ والذَّهبِ والفضَّةِ والمعدِنِ والرِّكازِ منهما وأموالِ التجارةِ والفِطرِ)
الشرح الزكاةُ لغةً التَّطهير والإِصلاح، وشرعًا اسمٌ لما يخرج عن مالٍ أو بدن على وجه مخصوص1. وهي أحد الأمور التي هي أعظم أمور الإِسلام، قال الله تعالى ﴿وأقيموا الصلاةَ وءاتوا الزكاة﴾ وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل «الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمداً رسولُ اللهِ وتقيمَ الصلاةَ وتؤتيَ الزكاةَ» الحديثَ رواه البخاري2 ومسلم3.
ومنعُ الزكاة من الكبائر قال صلى الله عليه وسلم «ءاكلُ الربا ومُوْكِلُهُ ولاوي الصدقةِ4 ملعونونَ على لسانِ محمدٍ يومَ القيامةِ» رواه ابنُ حبان5. وَمَن منعها وهو معتقدٌ وجوبها لا يُكفَّر
ثم إِنَّ وجوبها خاصٌّ بالأشياء المذكورة هنا وهي الإِبلُ والبقر فليس في غيرها من الحيوانات زكاة من حيث العينُ وثمرُ النَّخلِ والعنبِ والزروعُ التي يتَّخذها الناس قوتًا في حال الاختيار كالحنطة والشعير والحمص والفول بخلاف التين واللوز والسِّمسم والتفاح ونحوِها فإنه لا يُقتات بها ، ولا تجبُ فيما لا يقتات إِلا في حال الضَّرورة كالحُلْبَةِ6 فهذه لا زكاة فيها لأنها لا تُتَّخذ قوتًا حالة الاختيار. والقوتُ ما يقوم به البدن أي ما يعيش به البدن.
ثم إِنَّ وجوبها خاصٌّ بالأشياء المذكورة هنا وهي الإِبلُ والبقر والغنمُ فليس في غيرها من الحيوانات زكاة من حيث العينُ وثمرُ النَّخلِ والعنبِ والزروعُ التي يتَّخذها الناس قوتًا في حال الاختيار كالحنطة والشعير والحمص والفول بخلاف التين واللوز والسِّمسم والتفاح ونحوِها فإنه لا يُقتات بها ، ولا تجبُ فيما لا يقتات إِلا في حال الضَّرورة كالحُلْبَةِ7 فهذه لا زكاة فيها لأنها لا تُتَّخذ قوتًا حالة الاختيار. والقوتُ ما يقوم به البدن أي ما يعيش به البدن.
وتجب في النقد أي الذهب والفضَّة المضروب من ذلك وغيرِه وأَمَّا غيرُ الذهب والفضّة من الأثمان فلا زكاة فيه عند الإِمام الشافعي والإمام مالكٍ رضي الله عنهما8 وتجب فيه عند الإِمام أبي حنيفة فهذه العملة المستعملة في هذا العصر لا تجب فيها الزكاة عند الإِمامين الشَّافعيِّ ومالكٍ وتجب عند أبي حنيفة لأنها تروج رواج الذهب والفضَّة، ومن أخذ بمذهب أبي حنيفة فزكَّاها أخذ بالاحتياط.
وتجب في المعدِنِ والرِّكاز. أمّا المعدِنُ فهو الذهب أو الفضّة إذا استخرجا من المكان الذي خلقهما الله فيه بعد التنقية من التراب
وأَمَّا الرِّكاز فهو الذَّهب أو الفضَّة المدفونان قبل بعثة الرَّسول صلى الله عليه وسلم وليس الدفين الإِسلاميّ.
وتجب الزكاة أيضًا في أموال التجارة التي لا زكاة في أعيانها كالثياب والسُّكَّر والملح والخيل والحُمُر والدَّجاج لمن يَتْجَرُ بها.
فلا زكاة في غير ما ذكر من الأموال من نحو البيت الذي يمتلكه الشَّخص ليستغلَّه بالإِيجار، ولو كان يملك عدَّة أبنية يستغلُّها بالإِيجار، وكذلك السيّارات التي يمتلكها الشخص لاستغلالها بالإِيجار أو ليستعملها بالركوب لنفسه كلّ ذلك لا زكاة في عينه.
وأَمَّا الحليُّ المباح من ذهب أو فضة فقد اختلف فيه الأئمةُ فأبو حنيفة يرى وجوب الزكاة في حُليّ النساء وأمَّا الشافعيُّ فقال فيه قولين مرةً قال تجبُ الزكاةُ في حليّ النساء ومرة قال لا تجب، والاحتياط أن يزكّى الحليّ.
وأمَّا الفطرة فلا تُعَدُّ من زكاة المال لأنها تجبُ في حقِّ الطفل المولود وهو لا يعد مالاً.
ثمّ إنّ المؤلف بدأ بتفصيل زكاة الأنعامِ فقال
(وأولُ نصابِ الإِبلِ خمسٌ والبقرِ ثلاثون والغنمِ أربعونَ)
الشرح أنَّ أول نصاب الإِبل أي أوّلَ قدر تجب فيه الزكاة على من ملك من الإِبل شيئًا هو خمسٌ من الإِبل فلا زكاة على من ملك أقلّ من الخمس ، وأَنَّ البقر أوّل نصابها ثلاثون فلا زكاة فيما دون ذلك فلا زكاة فيما كان أقلّ من ثلاثين بقرة، وأنَّ الغنم أول نصابها أربعون منها فلا زكاة قبل بلوغها ذلك، والغنم في اللغة شامل للضَأْنِ والمَعْزِ.
قال المؤلف رحمه الله (فلا زكاةَ قبلَ ذلكَ ولا بدَّ من الحَولِ بعدَ ذلكَ ولا بُدَّ من السَّومِ في كلإٍ مباحٍ أي أنْ يَرْعاها مالكُها أو مَنْ أَذِنَ لَهُ في كلإٍ9 مباح أي مرعى لا مالكَ له وأن لا تكون عاملةً فالعَاملةُ في نحوِ الحرْث لا زكاةَ فيها.)
الشرح يشترط لوجوب الزكاة في الأنعام النصاب. والأنعام هي الإبل والبقر والغنم ولا يطلق هذا اللفظ على غير هؤلاء الثلاث. ومفرد الأنعام نَعَمٌ فلا زكاة في الأنعام قبل بلوغ النِّصاب فمن أخرج منها شيئًا بنيّة الزكاة قبل النصاب فهو عملٌ فاسد كمن يصلِّي صلاةً فاسدةً لكن إن نوى الصدقة تطوُّعًا كان ذلك عملاً حسنًا.
ولا بدَّ أيضًا في زكاة الأنعام من الحول أي من مضيّ سنةٍ قمريّة ابتداء من تمام النصاب.
ولا بُدَّ أيضًا لوجوب زكاة الأنعام من السوم من المالك أو نائبه في كلإٍ مباحٍ فلا زكاة في المعلوفة أو السائمة بنفسها. والسائمة معناها الرَّاعية فالغنم إن كانت ترعى بنفسها بأن تُسرَّح إلى المرعى فترعى بنفسها فتأكلَ من نبات الأرض ولا يكونُ معها صاحبها ولا وكيله فلا زكاة فيها إِنَّما الزكاة في الأنعام التي يسيمها صاحبها أي هو أو نائبه يأخذها إلى محل المرعى حتى تأكل من هذا الكلإ المباح أي الكلإ الذي لا مالك له إِنَّما هو مشتركٌ بين الناس.
ولا بدَّ أيضًا لوجوب زكاة الأنعام من أن لا تكون عاملةً في نحو حرثٍ لمالكها أو بأجرة فلا زكاة في العاملة وإن أُسيمت في كلإ مباحٍ10.
قال المؤلف رحمه الله (فيجبُ في كلِّ خمسٍ من الإِبلِ شاةٌ)
الشرح أول نصاب الإِبل خمسٌ من الإِبل ولا زكاة فيها إِلا شاةٌ واحدةٌ، ثم هذه الشاةُ إما جذعة ضأنٍ11 وهي الضأن التي أكملت سنة أو أسقطت مُقَدَّمَ أسنانها قبل ذلك وإما ثنيَّة المعزِ وهي الأنثى من المعزِ التي أكملت سنتين، فصاحب الإِبل الخمس مخيَّرٌ بين أن يخرج عن الخمس جذعة ضأن وبين أن يخرج عنها ثنيَّة معز. ثم لا يزاد على الشاة الواحدة إلى أن تبلغ إِبلُهُ عشرًا ففي العشر ثنتان. ثم لا يزاد على الثنتين إلى أن تبلغ خمس عشرة وفيها ثلاث شياه. ثم لا يزاد عليها إلى عشرين وفيها أربع. ثم لا يزاد إلى أن تبلغ إبله خمسة وعشرين وفيها بنت مخاض من الإبل12.
قال المؤلف رحمه الله (وفي أربعينَ من الغنمِ شاةٌ جذَعَةُ ضَأْنٍ أو ثنيةُ مَعْزٍ)
الشرح الواجب إخراجه في أربعينَ من الغنم هو شاةٌ أُنثى13 جذعةُ ضأنٍ أو ثنيّةُ معز وهي ما لها سنتان كاملتان.
قال المؤلف رحمه الله (وفي كلِّ ثلاثينَ مِنَ البقرِ تَبيعٌ ذكرٌ)
الشرح الواجب في أول نصاب البقر الذي هو ثلاثون تبيعٌ واحد أي ذكرٌ من البقر له سنةٌ كاملةٌ، ويجزئ أن يخرج عن الثلاثين من البقر تبيعةً أي أنثى لها سنةٌ كاملة.
قال المؤلف رحمه الله (ثم إنْ زادتْ ماشيتُهُ على ذلِكَ ففي ذلكَ الزائد ويجبُ عليهِ أن يتعلّمَ ما أَوجَبَهُ الله تعالى عليهِ فيها)
الشرح لمّا كان المؤلِّفُ لم يذكر في المتن إِلا النصاب الأول في الأنعام الثلاثة بيَّن في قوله هذا أَنَّ على المكلّف الذي تزيد ماشيته على أوّل النصاب أن يتعلّم وجوبًا عينيًّا حكم ما زاد على أوّل النصاب.
قال المؤلف رحمه الله (وأمَّا التَّمرُ والزبيبُ والزروعُ فَأَوَّلُ نصابِها خمسةُ أوسقٍ)
الشرح نصاب التمرِ والزبيب والزروع خمسةُ أوسق وليس فيما دون ذلك زكاةٌ لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس فيما دون خمسةِ أوسقٍ صدقة» رواه البخاري ومسلم.14
قال المؤلف رحمه الله (وهي ثلاثُمائةِ صاعٍ بصاعِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ومعيارُهُ موجودٌ بالحجازِ)
الشرح خمسة أوسقٍ هي ثلاثمائة صاع لأنَّ كلَّ وَسْقٍ ستون صاعًا فمجموع الخمسة أوسق ثلاثمائة صاع ، ومعيارُ الصاعِ النبويِّ الذي كان معروفًا في عهده صلى الله عليه وسلم لا يزال موجودًا في الحجاز وهو أربعةُ أمداد، والمدُّ هو الحَفْنَة بكفَّي رجل معتدل لا طويلِ الكفِّ ولا قصيرِها .
قال المؤلف رحمه الله (ويُضَمُّ زرعُ العامِ بعضُهُ إلى بعضٍ في إكمالِ النصابِ)
الشرح يجبُ ضمُّ زرعِ العام بعضِه إلى بعض في إكمال النصاب وكذلك الثمر، مثال ذلك أن يكون عنده نخلٌ يُثمر بعضُه في الرَّبيع وبعضُه في الصيف أو يثمر نخله في العام مرتين ويكون إطلاع الثاني قبل جداد الأول وجداد الكلّ في عامٍ واحدٍ15 فالحكم في ذلك أنَّه إن كَمل النصاب بضمِّ الأول إلى الثاني وجب إخراج الزكاة.
قال المؤلف رحمه الله (ولا يُكمَّلُ جنسٌ بجنسٍ كالشعيرِ معَ الحنطةِ)
الشرح لا يُكمَّل النصابُ من جنسين كالتَّمر والزبيب، والقمح والشعير، فإذا كانت كمية التمر أقلَّ من خمسة أوسق فلا يكمل نصابها بالزبيب، كذلك إذا كان عنده قمحٌ أقلُّ من خمسة أوسقٍ وكان عنده من الشعير ما يكمَّلُ به النصاب فلا يكمَّل هذا بهذا فلا زكاة عليه، لكنَّ النوع يكمَّل بالنوع الآخر فإذا كان له نوعان من التمر كالبَرْنيّ والعَجوة فإِنَّه يُكَمَّلُ النصاب من النوعين فتجب الزكاة في ذلك إن بلغ مجموعهما نصابًا وكذلك البُرُّ فالمصريُّ منه يكمَّل نصابه بالبرّ الشاميِّ لاتحاد الاسم.
قال المؤلف رحمه الله (وتجبُ الزكاةُ ببدوِّ الصلاحِ واشتدادِ الحبِّ)
الشرح زكاة الثَّمرِ أي ثمر النخل والكَرْمِ لا تجب على مالكهما إِلا أن يبدو صلاحُ الثمر فمتى بدا صلاحُ الثمر ولو في حبَّة واحدة16 وجبتِ الزكاةُ. ومعنى بدوِّ الصلاح أن تظهر علامةُ بلوغه صفةً يُطلب فيها للأكل غالبًا ففي حال كون ثمرة الكرم حِصرمًا لا تجبُ فيه الزكاة.
وكذلك الحبُّ من القمح وغيره لا تجبُ فيه الزكاةُ إِلا بعد أن يشتد الحبُّ لأنه عندها يصير مقصودًا للأكل
ولا يصح الإِخراج إِلا بعد الجفاف في الثمر والتصفية في الزرع فلا يخرج منه مختلطًا بسنبلِه.
تنبيه. ما كان من العنب من الصنف الذي لا يتزبَّب يخرج منه وهو عنب رطب قبل الجفاف، وكذلك ما لا يتتمر من ثمر النخل يخرج منه زكاته وهو رَطْبٌ17.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ فيها العُشرُ إِنْ لم تسق بمؤنة ونصفُهُ إِنْ سُقيتْ بها، وما زادَ على النصابِ أُخرج منهُ بقسطِهِ)
الشرح زكاة الثمر أي ثمر النخل والكرم أي التمر والزبيب والزرعِ أي الحبِّ من القمح والشعير والأرز ونحو ذلك عشرُ المحصول وهو ثلاثون صاعًا عن ثلاثمائة، هذا إن سقيت بلا مؤنة كأن سُقيت بمطر أو نحوه كماءِ النهر أو العيون أو الثلج أو بما يجري في السواقي المحفورة من النهر وإن احتاجت لمؤنة، وأَمَّا ما سُقي بالمؤنة فيجب فيه نصفُ العشر أي خمسة عشر صاعًا عن الثلاثمائة وذلك كالمسقِيُّ بالنواضح18 من الإبل والبقَر والدَّواليب ، وكذلك المسقي بالماء المملوك. قال القاضي ابن كَجّ19 لو اشترى الماء كان الواجبُ نصفَ العشر وكذا لو سقاه بماء مغصوب لأن عليه ضمانَهُ اﻫ20
وذَكَرَ المؤلِّفُ حكم ما زاد على النِّصاب في الثمار والزروع أنّه يجب الإِخراج منه بحسابه ولو كان يسيرًا وهو العشر أو نصفه بخلاف ما يزيد في النَّعَمِ على النصابَ من غير أن يبلغ النصاب الذي يليه فإنه عفو ليس فيه زكاة.
قال المؤلف رحمه الله (ولا زكاةَ فيما دونَ النصابِ إِلا أَنْ يتطوَّعَ.)
الشرح لا زكاة فيما كان من الحبِّ والثمر أقلَّ من النصاب إِلا أن يتطوع مالكه خلافًا لمذهب أبي حنيفة فإنه يوجب الزكاة فيما دون النِّصاب في الثمار والزروع.
قال المؤلف رحمه الله (وأَمَّا الذهبُ فنصابُهُ عشرونَ مِثقالاً والفضَّةُ مائتا دِرهمٍ ويجبُ فيهما ربعُ العشرِ وما زادَ فبحسابِهِ)
الشرح القدر الذي تجب فيه الزكاةُ من الذهب عشرون مثقالاً، والمثقالُ هو ما كان وزنه اثنتين وسبعين حبةَ شعيرٍ متوسطةً لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال باعتبار الوسط من الحبّة وأَمَّا الفضةُ فنصابها أي القدرُ الذي تجبُ الزكاةُ فيه منها مائتا درهم، والدِّرهمُ الإِسلاميُّ وزنه خمسون حبةَ شعير متوسطة21 وخمسا حبة.
ولا يجب فيهما إِلا ربع العشر .
وما زاد من الذهب والفضّة على النصاب وإن قلَّ فبحسابه والاعتبار في النصاب بخالص الذهب والفضة.
ويُكمل نوعٌ بنوع لا جنسٌ بجنس فلو كان عنده في مِلْكه مقدارٌ من الذهب أقلُّ من النصاب ومقدارٌ من الفضة أقلُّ من النصاب ولو بقدرٍ يسيرٍ فلا زكاةَ في ذلك لأنه لم يَكمل النصاب من الذهب بمفرده ولا من الفضة بمفردها.
قال المؤلف رحمه الله (ولا بُدَّ فيهما منَ الحولِ إِلا ما حَصَلَ مِنْ معدِنٍ أو ركازٍ فيخرجُها حالاً وفي الرِّكازِ الخُمُس.)
الشرح لا بُدَّ في وجوب زكاةِ الذهب والفضّة من الحول أي من حولان عامٍ كامل باعتبار السنة القمرية وذلك لحديث «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»22 فإذا لم يستمرَّ سنةً كاملةً في ملكه فقد انقطع الحول فإن عاد إلى ملكه يستأنف له سنة كاملةً.
والمعدن في عرف الفقهاء في باب الزكاة هو الذهب أو الفضّة اللذان يوجدان في الموضع الذي خلقهما الله فيه أي ليس دفينًا بل الدفين يسمَّى ركازًا كما تقدم ، فهذا المعدن يُزكَّى بعد تحصيله وتنقيته ولا يُنتظر له حولان حول.
وأَمَّا الرِّكازُ فهو الدفين الجاهليُّ أي الذي كان دفن قبل بعثة سيِّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم أي ما دفنهُ الناس قبل بعثة الرّسول صلى الله عليه وسلم فمن عثر عليه في أرضٍ موات أو ملكها بالإحياء أي كانت غير مملوكةٍ لأحد إِنَّما هو أحياها أي اتَّخذها مزرعةً أو بستانًا أو مسكنًا أو نحو ذلك فملكها بذلك وجب عليه أن يزكِّيَهُ في الحال أي مع بلوغ النصاب أي القدر الذي تجب فيه الزكاة من الذهب أو الفضّة. ويُعرف كونه دفينًا جاهليًا بوجود اسم مَلِكٍ من ملوك تلك الأزمان عليه23. ثُمَّ حكم الرِّكاز أَنَّه يخرج منه الخُمُس ليس ربع العشر بخلاف المعدن فإنه يخرج منه ربع العشر وذلك لأنه لا مؤنة في الركاز بخلاف المعدن فإن فيه مؤنة لتصفيته وتنقيته من التراب.
قال المؤلف رحمه الله (وأَمَّا زكاةُ التجارةِ فنصابُها نصابُ ما اشتُريَتْ بهِ مِنَ النقدينِ والنقدان هما الذهب والفضة ولا يعتبرُ إِلا ءاخرُ الحولِ ويجبُ فيها ربعُ عشرِ القيمةِ.)
الشرح هذا بيانُ حكم زكاة التجارة. ومعنى التجارةِ تقليبُ المال لغرض الاسترباح بأن يشتريَ ويبيعَ ثم يشتريَ ويبيعَ لغرض الربح. وأَمَّا نصابها فهو معتبرٌ بنصاب ما اشْتُرِيَتْ به من النقدين أي الذهب والفضَّة لأنَّ عروض التجارة تُقَوَّمُ بما اشتريت به فإن اشتريت بذهب قوِّمت بالذهب وإن اشتريت بفضّة فبالفضة وإن اشتريت بغيرهما قوِّمت بالنقد الغالب في ذلك البلد فإن كان الغالبُ في ذلك البلد نقدَ الذهب فبالذهب وإن كان الغالبُ فيه نقدَ الفضّة فبنقد الفضّة أَمَّا ما يصرفه الإِنسان من هذا المال في أثناء الحول قبل حولان الحول لحاجاته أو يتصدَّقُ به على الناس أو يأخذه ليتخذه قِنية أي يمسكه للانتفاع بعينه أكلاً أو شربًا أو لبسًا أو غير ذلك فهذا لا يدخل في الحساب عند الزَّكاة. ثم إذا بلغت قيمةُ العُروض نصابًا ءاخرَ الحول وجبت الزكاة فيها وإلا فلا.
ولو كان له على غيره دينٌ فإنه يدخل في حساب الزكاة وتضاف قيمته إلى قيمة العروض24. ثم إنه لا يجب فيها إلا ربع العشر وهو بالنسبة لمائتي درهمِ فضةٍ إسلاميٍّ خمسـة دراهـم وبالنسبـة لعشريـن دينارًا ذهـبيًا نصف دينار.
ثم يجب في مذهب الإِمام الشافعيّ رضي الله عنه إخراجُ عينِ الذهب أو عين الفضة عند الزكاة25.
ثمّ يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة أن لا يقطع نيّة التجارة في أثناء الحول فإن قطعها فلا زكاة عليه، أما إن قطع نيّة التجارة بعدما حال الحولُ ففي ماله زكاةٌ لهذا العام الماضي، أمّا بالنسبةِ للمستقبل فقد خرج عن كونه مال زكاة.
والعبرة في زكاة التجارة بثمن البِضاعة عند حولان الحول باعتبار شراء الناس للبضاعة26.
قال المؤلف رحمه الله (ومالُ الخليطينِ أو الخلطاءِ كمَالِ المنفردِ فِي النِّصابِ والمُخْرَج إذا كملت شروطُ الخُلطةِ.)
الشرح إذا اختلط مالُ شخصٍ بمال شخصٍ ءاخرَ أو بمالِ أكثرَ من شخصٍ وكان الخلطاء من أهل الزكاة والمجموعُ نصابًا من جنس واحد وإن اختلف النوعُ ولو غير ماشيةٍ يكون حكم هذا المال كمالِ الشخص المنفرد من حيث النصابُ ومن حيث قدرُ المُخْرَجِ فتجب عليهم الزكاة كزكاة المال الواحد إذا كملت شروط الخلطة.
وتطلب شروط الخلطة في النقد والحَب والثمر والماشية في مواضعها من المبسوطات.
قال المؤلف رحمه الله (وزكاةُ الفطرِ تجبُ بإدراك جزءٍ منْ رمضانَ وجزءٍ منْ شوالٍ.)
الشرح زكاة الفطر تجب على من أدرك ءاخر جزء من رمضان وأولَ جزء من شوال وذلك بإدراك غروب شمس ءاخر يوم من رمضان وهو حيٌّ حياة مستقرَّة فلا تجب فيما حدث بعد الغروب من ولدٍ أو غنًى أو نكاح الزوجة أو إسلام الشخص أو شُكَّ في حدوثه بعد الغروب.
والمُراد بالغنى في هذا الموضع أن يكون للشخص مالٌ يخرجه زكاةً فاضلاً عن دينه ومسكنه وعن قوته وقوت من عليه نفقته يوم العيد وليلته فمن كان عند الغروب حيًّا وكان له مالٌ يفضل عن ذلك فهو غنيٌّ في باب زكاة الفطرة فإن كان حالَ الغروب بصفة الوجوب ثم حدث له موتٌ أو طلاقٌ لم تسقط زكاته.
ثُمَّ شرع المؤلِّف رحمه الله في بيان شروط المخرج عنه فقال (على كل مسلم عليه وعلى من عليه نفقتهم إذا كانوا مسلمين)
الشرح تجب زكاةُ الفطرة على المسلم الحُرِّ ولو كانَ مُبعَّضًا أي بعضه حُرٌّ وبعضه عبدٌ مملوكٌ. ويجب عليه إخراجها عمن تلزمه نفقتهم بالشروط المقررة. وممَّن عليه نفقتهم الزوجةُ ولو رجعيةً أي طُلِّقت بطلقةٍ أو طلقتين ولم تنتهِ عِدَّتُها والبائنُ الحاملُ وعبدُ الزوجة المملوك لها إن أخدمها إيّاه فإنه يجب على الزوج فطرة زوجته وفطرة خادمها الذي هو مملوكٌ لها إذا كانت ممَّن يستحقُّ الإخدام كأن كانت في أهلها ممَّن تخدم أي يُتَّخذ لها خادمٌ، ومنهم الولدُ الصَّغير وإن سفل والوالدُ وإن علا إذا كانا فقيرين أما إن كانا غنيين بمال فلا تجب عليه زكاتُهما. ولا يصحُّ إخراج الفطرة عن الأصل الغنيّ والولد البالغ إِلا بإذنه27 فليتنبَّهْ لذلك فإِنَّ كثيرًا من الناس يغفُلون عن هذا الحكم فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه.
وممَّن يجب إخراج الزكاة عنه المملوكُ ولو كان هذا المملوك مرهونًا أو ءابقًا هاربًا وإنْ انقطعَ خبرُهُ.28
قال المؤلف رحمه الله (على كلِّ واحدٍ صاعٌ منْ غالبِ قوتِ البلَدِ إذا فضلتْ عن دَيْنِهِ وكسوتِهِ ومسكَنِهِ وقوتِهِ وقوتِ مَنْ عليهِ نفقتُهُمْ يومَ العيدِ وليلتَهُ.)
الشرح لا تجبُ الزكاة على من ذكر إِلا إذا فَضَلَ ما يخرجه للفطرة عن دَينه ولو كان ذلك الدَّين مؤجّلاً، وعن كسوته وكسوة من عليه نفقته اللائقين بهما منصبًا ومروءةً وقدرًا ونوعًا وزمانًا ومكانًا حتى ما يُتجمَّل به مما جرت به عادة مثله يومَ العيد أو يحتاجه لنحو برد، وعن مسكنه ومسكن من عليه نفقتهم اللائقين بهم وإن اعتاد السَكَنَ بأُجرةٍ وكذا عن خادمه وخادم زوجته الذي أخدمها إياه، وعن قوته وقوت من عليه نفقتهم ولو ما اعتيد للعيد كالحلوى ليلةَ العيد المتأخّرة عن يومِهِ ويومَهُ. وأَمَّا من طرأ له القدرة على ذلك بعد غروب شمس ءاخر يوم من رمضان في أثناء الليلة أو في أثناء يوم العيد أخرجها من غير أن تكون فرضًا عليه29.
ويجوز إخراجها في رمضان ولو أوَّلَ ليلةٍ من رمضان30. والسُّنَّة إخراجُها يوم العيد وقبل الصَّلاة أي صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذر.
وزكاة الفطر عن كل شخص هي صاعٌ من غالب قوت البلد والصاع أربعة أمداد والمد ملء الكفين المعتدلتين كما تقدم.
قال المؤلف رحمه الله (وتكفي النيّةُ في جميعِ أنواعِ الزكاةِ معَ الإفرازِ للقدرِ المخرجِ.)
الشرح تجب النيّةُ القلبيّةُ في جميع أنواع الزكاة كأن يقول بقلبه هذه زكاة مالي أو بدني أو صدقةُ مالي المفروضةُ أو صدقةُ المال المفروضةُ أو الواجبة ولا يجب تعيينُ المخرَج عنه في النيّة فلو لم ينوِ إِلا بعد الدفع لم تصحَّ.
والإِفراز هو عزل القدر الذي يكون زكاة عن ماله فتكفي النية عند عزل الزكاة عن المال أو بعد العزل وقبل التفرقة أو عند التفرقة31.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ صرفُها إلى مَنْ وُجدَ في بلدِ المالِ من الأصنافِ الثمانيةِ منَ الفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليهَا والمؤلَّفةِ قلوبُهُمْ وفي الرِّقَابِ والغارمينَ وهم المَدينونَ العاجزونَ عن الوفاءِ وفي سَبيلِ الله وهم الغزاةُ المُتطوّعونَ وليسَ معناه كلَّ عمل خَيريّ وابنِ السَّبيلِ وهو المسافرُ الذي ليسَ معهُ ما يوصِلُهُ إلى مقصدِهِ.)
الشرح لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرءان بقوله ﴿إنمـا الصَّدَقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمُؤَلَّفةِ قلوبُهُمْ وفي الرِّقابِ والغارِمِيْنَ وفي سبيلِ اللهِ وابنِ السَّبيلِ﴾32. ولا يجوز صرفها عند الإمام الشافعي إلا إلى ثلاثة من كل صنف فأكثر من هؤلاء الثمانية أي إلى من يوجد منهم في بلد الزَّكاة أي في بلد المال لكن اختار جمعٌ من الشافعية جوازَ صرف زكاة الفطر لثلاثة فقراء أو مساكين33، وجمعٌ ءاخرون اختاروا جواز صرف زكاة شخصٍ واحد لمستحقٍّ واحد.34
والفقير هو من لا نفقة على غيره واجبةٌ له ولا يَجِدُ إلا أقلَّ من نصف كفايته كالذي يحتاج لعشرة ولا يجد إلا أربعة فأقلّ.
والمسكين هو الذي له ما يَسُدُّ مسدًّا من حاجته إِمَّا بملك أو بعمل يُغلُّ له لكنه لا يكفيه كفايةً لائقة بحاله كمن يحتاج لعشرة فلا يجد إِلا ثمانية فيعطَى كفايته.
فمن كان عنده مِلْكٌ يجدُ منه كفايته فلا يجوز له بعد ذلك أخذ الزكاة باسم المسكنة أو الفقر، وكذلك من كان له عملٌ يكفيه دَخْلُهُ لا يجوز له أن يأخذ الزكاة باسم الفقر أو المسكنة لأنَّ هذا غنيٌّ بعمله كما أَنَّ الأول غنيٌّ بماله.
والعاملون عليها هم الذين نصبهم الخليفة أو السلطان لأخذ الزَّكوات من أصحاب الأموال ولم يجعل لهم أجرةً من بيت المال وإِلا فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة. ثم إذا دفع المالك الزكاة بنفسه سقط العاملُ وكذلك إذا وكَّل إنسانًا يوزع عنه يسقط سهم العامل فتصير الزَّكاة لسبعة أصناف.
والمؤلَّفة قلوبهم هم من كان ضعيف النيّة في أهل الإِسلام أي بين المسلمين بأن يكون دخل في الإِسلام وفي نفسه وحشةٌ من المسلمين أي لم يتآلف مع المسلمين فيُعطى حتى تقوى نيّته بالإسلام من الزكاة أو يكونَ شريفًا في قومه يُتوقّع بإعطائه إسلامُ نظرائه فهذا أيضًا داخلٌ في المؤلَّفة قلوبهم حتى إذا أُعطي هذا يرغب أولئك الذين هم أمثاله من الكفّار أن يدخلوا في الإسلام. وكذلك يُعَدُّ من المؤلَّفة قلوبهم من يكفُّ عنا شر من يليه من كفارٍ ومانعي الزكاة35 فيعطى لهذه المصلحة من الزكاة36.
وأَمَّا الرِّقاب فهم المكاتبون كتابةً صحيحة وهؤلاء هم الذين تشارطوا مع أسيادهم أي الأناسِ الذين يملكونهم على أن يدفعوا كذا من المال فإذا دفعوا ذلك المبلغ يكونون أحرارًا فالله تعالى جعل لهم حقًّا في الزكاة إذا لم يكن معهم ما يفي بالمال الذي اشتُرط عليهم لتحرّرهم.
وأَمَّا الغارمون فهم المدينون العاجزون عن رد الدين وذلك كالذي استدان لنفسه وصرفه في غير معصيةٍ أو صرفه في معصية وتاب وظهرت علامات صدقه فيعطى من الزكاة قدر دينه إن كان الدَّين حالاًّ وعجز عن وفائه
وأَمَّا وفي سبيل الله فالمراد به الغزاةُ المتطوعون بالجهاد بأن لم يكن لهم سهمٌ في ديوان المرتَزِقة من الفىء فيعطون ما يحتاجونه للجهاد ولو كانوا أغنياء إعانةً لهم على الغزو. والمرتَزِقَةُ الأجنَادُ المرصودون في الديوان للجهاد وسمُّوا بذلك لأنهم أرصدوا نفوسهم للذبّ عن الدِّين وطلب الرزق من ماله تعالى. وأما المتطوعون بالغزو إذا نشِطوا فهم المرادون بسبيل الله فيعطون من الزكاة من سهمِ في سبيل الله.
وأمَّا ابن السبيل فالمراد به المسافر أو مريد السفر المحتاج بأن لم يكن معه ما يكفيه لسفره فيعطى من الزكاة بشرط أن يكون سفره غير محرَّم فمن سافر لغير معصية ولو لنـزهةٍ37 أو كان غريبًا مجتازًا بمحلّ الزكاة وكان محتاجًا أُعطيَ ما يكفيه في سفره ذهابًا وإيابًا إن كان يقصد الرجوع إلى المكان الذي يسافر منه ولو كان له مالٌ بغير محلِّ الزكاة أو وجد من يقرضه فإنه يُعْطَى38. أمّا المسافر سفرًا محرّمًا فلا يُعطى لأنّ فيه إعانةً على معصيةٍ فإن تاب من المعصية أُعطيَ ما يحتاجه لبقيّة سفره.
ويُشترط لصحة الدفع أن يكون الآخذ غير هاشميٍّ ولا مطلبيٍّ ولا مولًى لهم
فالهاشميّ والمطلبيُّ ومواليهم39 لا يجوز دفع الزكاة إليهم، والهاشميُّ هو من كان مؤمنًا من ذرية هاشم بن عبد مناف والمطلبيُّ هو من كان مؤمنًا من ذرية المطلب، وهاشمٌ ومطلبٌ أخوان40، فمن كان من المؤمنين من ذرِّيتهما فليس له حقٌ في الزكاة إِنَّما حقُّه في خُمس الخُمس من الغنيمة والفىء، والفىءُ هو ما هرب عنه الكفار من مالٍ خوفًا من المسلمين من غير قتالهم.
قال المؤلف رحمه الله (ولا يجوزُ ولا يجزئُ صرفُها لغيرِهِمْ )
الشرح لا يجوز صرف الزكاة إِلا لمن عُلِمَ أنّه من المستحقين من الأصناف الثمانية. وقولُهُ "ولا يجوز ولا يجزئ صرفها لغيرهم" أفاد به أنّه لا يجوز أي يحرم ولا يصحُّ دفع الزكاة إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية المذكورين في ءاية براءة فإن وُجدوا كلُّهم وكان الإمام هو القاسمَ للزكاة وجب تعميمهم عند الإمام الشافعيّ41 وإن لم يكن الإمام هو القاسمَ فمَن عدا العاملَ يجب تعميمهم في المذهب إن كانوا محصورين في البلد وكان المال يكفي حاجاتهم الناجزة42، وإن لم يوجد في بلد الزكاة إلا بعضُهم دفع لمن وُجد منهم.
وأَقلُّ العدد الذي يدفع إليه عند الشافعيِّ ثلاثة أشخاص من كل صنف43، واختار جمعٌ من أتباع الشافعي جواز دفع زكاةِ واحدٍ لمستحقٍّ واحد كما تقدّم وهو قول الأئمة الثلاثة44.
ومما تقدم يعلم أنّه لا يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد والمستشفيات والمدارس فمن دفع من زكاته لبناء مدرسة أو مستشفًى أو لبناء مسجد فليَعلم أَنَّ زكاته ما صحَّت فيجب عليه إعادة الدَّفع للمُستحقِّين. والدليل على أنّه لا يجوز دفع الزكاة لكل ما هو بِرٌ وخير مما عدا الأصنافَ الثمانيةَ وأن المراد بقوله تعالى ﴿وفي سبيل الله﴾ ليس كلَّ أنواع البِرِّ والإحسان من بناء مسجدٍ ومدرسةٍ ومارَستان45 ونحو ذلك هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذَكَرَ الزكاة «إنَّها لا تحلُّ لغنيٍّ ولا لذي مِرَّةٍ سـويّ»46 وقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين جاءا يسألانه الزكاة وكانا قويين «إِن شئتما أعطيتكما47 وليس فيها حقٌّ لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسبٍ»48 رواهما أبو داود والبيهقي49.
ولم يقلْ إِنَّ كلمة "وفي سبيل الله" تعمُّ كلَّ مشروع خيريّ أحدٌ من الأئمة المجتهدين إِنَّما ذلك ذكره بعض الحنفيّة من المتأخّرين ممن ليس من أصحاب أبي حنيفة الذين هم مجتهدون بل قوله يخالف أقوال المجتهدين وأصحابِ الوجوه من أهل المذهب50 فحرامٌ أن يؤخذَ بقول هذا العالِم. وليحذر من هؤلاء الذين يجمعون أموال الزكوات باسم بناء جامعٍ أو بناء مدرسة ٍفإن هذا حرامٌ عليهم وحرامٌ على الذين يعطونهم أن يعطوهم لأنَّه لو كان كلُّ عمل خيريٍّ يدخلُ في قوله تعالى ﴿وفي سبيل الله﴾51 ما قال الرَّسول صلى الله عليه وسلم «ليس فيها حق لغَنِيٍّ ولا لِقَوِيٍّ مكْتَسِب» وقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»52.
-------------